فصل: تفسير الآية رقم (31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (31):

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قدم سبحانه أن شركاءهم مربوبون مقهورون، لا قدرة لهم إلاّ على ما يقدرهم الله عليه، وأنه وحده المولى الحق، وبانت بذلك فضائحهم، أتبعه ذكر الدلائل على فساد مذهبهم، فوبخهم بأن وجه السؤال إليهم عما هم معترفون بأنه مختص به ويدل قطعًا على تفرده بجميع الأمر الموجب من غير وقفة لاعتقاد تفرده بالإلهية فقال: {قل} أي يا أكرم خلقنا وأرفقهم بالعباد {من يرزقكم} أي يجلب لكم الخيرات أيها المنكرون للبعث المدعون للشركة {من السماء} أي بالمطر وغيره من المنافع {والأرض} بالنبات وغيره لتعيشوا {أمّن يملك السمع} أي الذي تسمعون به الآيات، ووحده للتساوي فيه في الغالب {والأبصار} التي تبصرون بها ما أنعم عليكم به في خلقها ثم حفظها في المدد الطوال على كثرة الآفات فيفيضها عليكم لتكمل حياتكم الحسية ببقاء الروح، والمعنوية بوجود العلم؛ روي عن علي- رضى الله عنهم- أنه قال: سبحان من بصر بشحم، وأسمع بعظم، وأنطق بلحم.
فلما سألهم عن أوضح ما هم فيه وأقربه، نبههم على ما قبله من بدء الخلق فقال: {ومن يخرج الحي} من الحيوان والنبات {من الميت} أي من النطفة ونحوها {ويخرج الميت} أي من النطفة ونحوها مما لا ينمو {من الحي} أي فينقل من النقص إلى الكمال؛ ثم عم فقال: {ومن يدبر الأمر} أي كله التدبير العام.
ولما كانوا مقرين بالرزق وما معه من الخلق والتدبير، أخبر عن جوابهم إذا سئلوا عنه بقوله: {فسيقولون الله} أي مسمى هذا الاسم الذي له الكمال كله بالحياة والقيومية بخلاف ما سيأتي من الإعادة والهداية {فقل} أي فتسبب عن ذلك أنا نقول لك: قل لهم مسببًا عن جوابهم هذا الإنكار عليهم في عدم التقوى: {أفلا تتقون} أي تجعلون وقاية بينكم وبين عقابه على اعترافكم بتوحده في ربوبيته وإشراككم غيره في إلهيته. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{كلمات ربك} وكذلك في آخر السورة على الجمع: أبو جعفر ونافع وابن عامر {لا يهدي} مثل {يرمي}: حمزة وعلي وخلف {يهدي} بسكون الهاء وتشديد الدال: أبو جعفر ونافع غير ورش وعباس وأبو عمرو غير عباس بإشمام الفتحة قليلًا {يهدي} بكسر الهاء وتشديد الدال: عاصم غير يحيى وجبلة ورويس {يهدي} بكسرتين والتشديد: يحيى {يهدي} بفتحتين والتشديد: ابن كثير وابن عامر وورش وسهل ويعقوب غير رويس.

.الوقوف:

{يدبر الأمر} ط {الله} ج {تتقون} o ج ط {ربكم الحق} ج ط للاستفهام مع الفاء {إلا الضلال} ج ط {تصرفون} o {لا يؤمنون} o {ثم يعيده} الأول ط {تؤفكون} o {إلى الحق} ط {للحق} ط {أن يهدي} ج ط لما مر {فما لكم} ص لحق الاستفهام الثاني {تحكمون} o ط {إلا ظنًا} ط {شيئًا} ط {شيئًا} ط {يفعلون} o {العالمين} o {افتراء} ط {صادقين} o ط {الظالمين} o {لا يؤمن به} ط {بالمفسدين} o {عملكم} ج لأن {أنتم} مبتدأ والعامل واحد {تعملون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ}
اعلم أنه تعالى لما بين فضائح عبدة الأوثان أتبعها بذكر الدلائل الدالة على فساد هذا المذهب.
فالحجة الأولى: ما ذكره في هذه الآية وهو أحوال الرزق وأحوال الحواس وأحوال الموت والحياة.
أما الرزق فإنه إنما يحصل من السماء والأرض، أما من السماء فبنزول الأمطار الموافقة وأما من الأرض، فلأن الغذاء إما أن يكون نباتًا أو حيوانًا، أما النبات فلا ينبت إلا من الأرض وأما الحيوان فهو محتاج أيضًا إلى الغذاء.
ولا يمكن أن يكون غذاء كل حيوان حيوانًا آخر وإلا لزم الذهاب إلى ما لا نهاية له وذلك محال، فثبت أن أغذية الحيوانات يجب انتهاؤها إلى النبات وثبت أن تولد النبات من الأرض، فلزم القطع بأن الأرزاق لا تحصل إلا من السماء والأرض، ومعلوم أن مدبر السموات والأرضين ليس إلا الله سبحانه وتعالى، فثبت أن الرزق ليس إلا من الله تعالى، وأما أحوال الحواس فكذلك، لأن أشرفها السمع والبصر وكان علي رضي الله عنه يقول: سبحان من بصر بشحم، وأسمع بعظم، وأنطق بلحم، وأما أحوال الموت والحياة فهو قوله: {وَمَن يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} وفيه وجهان: الأول: أنه يخرج الإنسان والطائر من النطفة والبيضة {وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} أي يخرج النطفة والبيضة من الإنسان والطائر.
والثاني: أن المراد منه أنه يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، والأكثرون على القول الأول، وهو إلى الحقيقة أقرب، ثم إنه تعالى لما ذكر هذا التفصيل ذكر بعده كلامًا كليًا، وهو قوله: {وَمَن يُدَبّرُ الامر} وذلك لأن أقسام تدبير الله تعالى في العالم العلوي وفي العالم السفلي وفي عالمي الأرواح والأجساد أمور لا نهاية لها، وذكر كلها كالمتعذر، فلما ذكر بعض تلك التفاصيل لا جرم عقبها بالكلام الكلي ليدل على الباقي ثم بين تعالى أن الرسول عليه السلام، إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوال فسيقولون إنه الله سبحانه وتعالى، وهذا يدل على أن المخاطبين بهذا الكلام كانوا يعرفون الله ويقرون به، وهم الذين قالوا في عبادتهم للأصنام إنها تقربنا إلى الله زلفى وإنهم شفعاؤنا عند الله وكانوا يعلمون أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر، فعند ذلك قال لرسوله عليه السلام: {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} يعني أفلا تتقون أن تجعلوا هذه الأوثان شركاء لله في المعبودية، مع اعترافكم بأن كل الخيرات في الدنيا والآخرة إنما تحصل من رحمة الله وإحسانه، واعترافكم بأن هذه الأوثان لا تنفع ولا تضر ألبتة. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء} يعني: قل يا محمد للمشركين: من يرزقكم من السماء بالمطر.
{والأرض} ومن الأرض بالنبات.
{أَمَّن يَمْلِكُ السمع والابصار}، أي من يخلق لكم السمع والأبصار، {وَمَن يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت}؛ ومن يقدر أن يخرج الحي من الميت، يعني: الفرخ من البيضة.
{وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحى}، يعني: البيضة من الطير، والنطفة من الإنسان، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.
{وَمَن يُدَبّرُ الأمر}، يعني: من يقدر أن يدبر الأمر بين الخلق، وينظر في تدبير الخلائق، ويقال: من يرسل الملائكة بالأمر.
{فَسَيَقُولُونَ الله} يفعل ذلك كله لا الأصنام، لأن الأصنام لم يكن لهم قدرة على هذه الأشياء.
{فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} الشرك فتوحدونه، إذ تعلمون أن لا يقدر أحد أن يفعل هذه الأشياء إلا الله تبارك وتعالى، ويقال: أفلا تتقون أي تطيعون الله الذي يملك ذلك؟. اهـ.

.قال القرطبي:

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} المراد بمساق هذا الكلام الردُّ على المشركين وتقرير الحجة عليهم؛ فمن اعترف منهم فالحجة ظاهرة عليهم، ومن لم يعترف فيقرّر عليه أن هذه السموات والأرض لابد لهما من خالق؛ ولا يتمارى في هذا عاقل.
وهذا قريب من مرتبة الضرورة.
{مِّنَ السماء} أي بالمطر.
{والأرض} بالنبات.
{أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار} أي من جعلهما وخلقهما لكم.
{وَمَن يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} أي النباتَ من الأرض، والإنسان من النطفة، والسُّنْبُلَةَ من الحبّة، والطيرَ من البيضة، والمؤمنَ من الكافر.
{وَمَن يُدَبِّرُ الأمر} أي يقدره ويقضيه.
{فَسَيَقُولُونَ الله} لأنهم كانوا يعتقدون أن الخالق هو الله؛ أو فسيقولون هو الله إن فكروا وأنصفوا {فَقُلْ} لهم يا محمد.
{أَفَلاَ تَتَّقُونَ} أي أفلا تخافون عقابه ونِقْمته في الدنيا والآخرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} لما بين فضائح عبدة الأوثان، أتبعها بذكر الدلائل على فساد مذهبهم بما يوبخهم، ويحجهم بما لا يمكن إلا الاعتراف به من حال رزقهم وحواسهم، وإظهار القدرة الباهرة في الموت والحياة.
فبدأ بما فيه قوام حياتهم وهو الرزق الذي لابد منه، فمن السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات.
فمن لابتداء الغاية وهيئ الرزق بالعالم العلوي والعالم السفلي معالم يقتصر على جهة واحدة، تعالى توسعة منه وإحسانًا.
ومن ذهب إلى أنّ التقدير من أهل السماء والأرض فتكون من للتبعيض أو للبيان.
ثم ذكر ملكه لهاتين الحاستين الشريفتين: السمع الذي هو سبب مدارك الأشياء، والبصر الذي يرى ملكوت السموات والأرض.
ومعنى ملكهما أنه متصرف فيهما بما يشاء تعالى من إبقاء وحفظ وإذهاب.
وقال الزمخشري: من يملك السمع والأبصار من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه من الفطرة العجيبة، أو من يحميهما ويعصمهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال، وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلاءته وحفظه انتهى.
ولا يظهر هذان الوجهان اللذان ذكرهما من لفظ أم من يملك السمع والأبصار.
وعن عليّ كرم الله وجهه: سبحان من بصر بشحم، وأسمع بعظم، وأنطق بلحم.
وأم هنا تقتضي تقدير بل دون همزة الاستفهام لقوله تعالى: {أما ذا كنتم تعملون} فلا تتقدّر ببل، فالهمزة لأنها دخلت على اسم الاستفهام، وليس إضراب إبطال به هو لانتقال من شيء إلى شيء.
ونبه تعالى بالسمع والبصر على الحواس لأنهما أشرفها، ولما ذكر تعالى سبب إدامة الحياة وسبب انتفاع الحي بالحواس، ذكر إنشاءه تعالى واختراعه للحي من الميت، والميت من الحي، وذلك من باهر قدرته، وهو إخراج الضد من ضده.
وتقدم تفسير ذلك ومن يدبر الأمر شامل لما تقدم من الأشياء الأربعة المذكورة ولغيرها، والأمور التي يدبرها تعالى لا نهاية لها، فلذلك جاء بالأمر الكلي بعد تفصيل بعض الأمور.
واعترافهم بأنّ الرازق والمالك والمخرج والمدبر هو الله أي: لا يمكنهم إنكاره ولا المنافسة فيه.
ومعنى أفلا تتقون: أفلا تخافون عقوبة الله في افترائكم وجعلكم الأصنام آلهة؟ وقيل: أفلا تتعظون فتنتهون عن ما حذرت عنه تلك الموعظة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}
{قُلْ} أي لأولئك المشركين الذين حُكيت أحوالُهم وبيّن ما يؤدي إليه أعمالُهم احتجاجًا على حقية التوحيدِ وبُطلانِ ما هم عليه من الإشراك {مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والأرض} أي منهما جميعًا فإن الأرزاقَ تحصُل بأسباب سماوية وموادَّ أرضيةٍ أو من كل واحدة منهما توسعةً عليكم وقيل: مِنْ لبيان كلمة مَنْ على حذف المضافِ أي مِنْ أهل السماء والأرض {أَم مَّنْ يَمْلِكُ السمع والابصار} أم منقطعةٌ وما فيها من كلمة بل للإضراب عن الاستفهام الأولِ لكن لا على طريقة الإبطالِ بل على وجه الانتقالِ وصرفِ الكلام عنه إلى استفهام آخرَ تنبيهًا على كفايته فيما هو المقصودُ، أي من يستطيع خلقَهما وتسويتَهما على هذه الفطرةِ العجبيةِ أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالِهما من أدنى شيءٍ يصيبهما {وَمَن يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} أي ومن يحيي ويميت أو ومن ينشيء الحيوانَ من النطفة والنطفةَ من الحيوان {وَمَن يُدَبّرُ الأمر} أي ومن يلي تدبيرَ أمرِ العالم جميعًا، وهو تعميمٌ بعد تخصيصِ بعضِ ما اندرج تحته من الأمور الظاهرةِ بالذكر {فَسَيَقُولُونَ} بلا تلعثم ولا تأخير {الله} إذ لا مجال للمكابرة لغاية وضوحِه، والخبرُ محذوف أي الله يفعل ما ذكر من الأفاعيل لا غيرُه.
{فَقُلْ} عند ذلك تبكيتًا لهم {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} الهمزةُ لإنكار عدمِ الاتقاء بمعنى إنكارِ الواقع كما في أتضرب أباك؟ لا بمعنى إنكار الوقوع في أأضربُ أبي؟ والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه النظمُ الكريمُ أي أتعلمون ذلك فلا تقون أنفسَكم عذابَه الذي ذَكر لكم بما تتعاطَونه من إشراككم به ما لا يشاركه في شيء مما ذُكر من خواصّ الإلهية. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}